قمع المشاعر: كيف تتحول المشاعر المكبوتة الى امراض جسدية؟
- Aman Wadei
- Mar 8
- 6 min read
ما العلاقة بين العقل والجسد؟ وهل قمع المشاعر قد يكون سبب في ظهور اعراض او امراض جسدية ؟
قمع المشاعر وعدم التعبير عنها بشكل صحي يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الصحة الجسدية، حيث ترتبط الصحة النفسية ارتباطًا وثيقًا بالصحة الجسدية. هذا المفهوم مدعوم بأبحاث الطب النفسي الجسدي (Psychosomatic Medicine) التي تدرس العلاقة بين النفس والجسد. الأبحاث الحديثة تكشف أن المشاعر غير المعالجة لا تختفي ببساطة، بل تعيد التعبير عن نفسها في الجسد على شكل أعراض جسدية قد تؤثر على الصحة بشكل كبير. في هذا المقال، سنشرح كيف يؤدي قمع المشاعر إلى تكوين أمراض جسدية، اهم الاعراض والمشاكل الجسدية المرتبطة بقمع المشاعر، علامات تدل على انك تقوم بقمع مشاعرك، بالإضافة إلى طرق فعالة لحماية نفسك من تأثيراته السلبية وتحرير المشاعر المكبوتة.
اولا: كيف يؤدي قمع المشاعر إلى تكوين أعراض وأمراض جسدية؟
المشاعر ليست مجرد تجارب نفسية؛ بل هي عمليات بيولوجية وكيميائية معقدة تؤثر بشكل مباشر على وظائف الجسم. عندما يتم قمع المشاعر بدلاً من معالجتها والتعبير عنها، فإنها لا تختفي ببساطة، بل تبقى مخزنة داخل الجسم، مما يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الفسيولوجية التي قد تسبب مشكلات جسدية مزمنة.
عندما يواجه الإنسان مشاعر قوية مثل الغضب، الحزن، الخوف أو القلق، يقوم الجهاز العصبي باستجابة طبيعية لهذه المشاعر عبر إطلاق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين. في الحالات الصحية، يتم التعامل مع هذه المشاعر والتعبير عنها بشكل مناسب، لكن عندما يتم قمعها، تبقى هذه الهرمونات في الجسم لفترات طويلة، مما يؤدي إلى خلل في التوازن الهرموني ووظائف الجهاز العصبي الذاتي (Autonomic Nervous System).
تشير الدراسات الحديثة إلى أن قمع المشاعر يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، واضطرابات الجهاز الهضمي، واضطرابات المناعة الذاتية. في دراسة نشرتها مجلة Psychosomatic Medicine عام 2022، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يكتمون مشاعرهم السلبية لديهم مستويات مرتفعة من الالتهابات المزمنة، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب. كما أظهرت دراسة أخرى نُشرت في Journal of Behavioral Medicine أن قمع المشاعر يرتبط بزيادة نشاط الجهاز العصبي الودي، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب.
الطبيب جابور ماتيه، وهو طبيب نفسي كندي شهير ومتخصص في الصدمات النفسية والعلاقة بين النفس والجسد، يؤكد بشدة على أن قمع المشاعر والضغوط النفسية غير المعالجة لهما تأثير عميق على صحة الإنسان الجسدية والنفسية. في كتاباته ومحاضراته، يسلط الضوء على العلاقة القوية بين الصدمات العاطفية والضغوط المزمنة وبين تطور العديد من الأمراض الجسدية، بما في ذلك الأمراض المزمنة والخطيرة.
ثانيا: آثار قمع المشاعر وأمثلة على الأعراض أو الأمراض الجسدية
يؤثر قمع المشاعر على الجسم بطرق مختلفة، حيث يمكن أن تظهر الأعراض على شكل مشكلات صحية مزمنة يصعب تفسيرها طبيًا. من أبرز هذه الأعراض:
• آلام العضلات والتوتر العضلي: عند قمع المشاعر، يبقى الجسم في حالة تأهب مستمرة، مما يؤدي إلى شد عضلي مزمن، خاصة في الرقبة والكتفين.
• اضطرابات الجهاز الهضمي: مثل متلازمة القولون العصبي (IBS) والتهابات المعدة، حيث تؤثر المشاعر المكبوتة على وظيفة الجهاز الهضمي بسبب ارتباطه الوثيق بالجهاز العصبي.
• الصداع النصفي والتوتر العصبي: نتيجة لزيادة توتر العضلات وتدفق الدم غير المتوازن بسبب ارتفاع مستويات هرمونات التوتر.
• أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم: بسبب التأثير المستمر للمشاعر المكبوتة على الأوعية الدموية والقلب.
• الاضطرابات الجلدية: مثل الإكزيما والصدفية، حيث يؤدي التوتر المزمن الناتج عن قمع المشاعر إلى تفاقم الأمراض الجلدية.
ثالثا: كيف تعرف اذا كنت تميل لقمع مشاعرك ام لا؟
إذا كنت تتساءل عما إذا كنت تقوم بقمع مشاعرك أم لا، فإليك بعض العلامات التي قد تشير إلى ذلك:
1. تجنب التعبير عن المشاعر القوية
• هل تشعر بالخوف من إظهار الغضب، الحزن، أو الإحباط أمام الآخرين؟
• هل تتجنب الحديث عن مشاعرك حتى مع الأشخاص المقربين؟
• هل تميل إلى إخفاء مشاعرك الحقيقية بابتسامة أو مزاح عندما تكون حزينًا أو غاضبًا؟
2. الشعور بعدم الارتياح عند الحديث عن العواطف
• هل تشعر بعدم الراحة أو القلق عند مناقشة مشاعرك مع الآخرين؟
• هل تجد صعوبة في وصف ما تشعر به أو تسميته بوضوح؟
• هل تشعر أن الحديث عن المشاعر غير ضروري أو علامة ضعف؟
3. الأعراض الجسدية غير المبررة طبيًا
• هل تعاني من صداع متكرر، توتر عضلي، آلام في المعدة، أو تعب مزمن دون سبب طبي واضح؟
• هل تلاحظ أن هذه الأعراض تزداد عندما تكون تحت ضغط نفسي أو عاطفي؟
• هل تعاني من اضطرابات في النوم، مثل الأرق أو النوم المتقطع؟
4. الانشغال المفرط لتجنب المشاعر
• هل تلجأ إلى العمل المفرط، التمارين المكثفة، أو تصفح الهاتف لساعات طويلة للهروب من مشاعرك؟
• هل تملأ جدولك اليومي بالنشاطات كي لا تمنح نفسك وقتًا للتفكير في مشاعرك؟
• هل تجد صعوبة في الجلوس مع نفسك دون إلهاء خارجي؟
5. استخدام أساليب غير صحية للتعامل مع المشاعر
• هل تلجأ إلى الأكل العاطفي، التدخين، شرب الكحول، أو غيرها من العادات لتجنب الشعور بالعواطف القوية؟
• هل تحاول تبرير مشاعرك أو إقناع نفسك بأنها ليست مهمة؟
• هل تشعر بأنك تفقد السيطرة على ردود أفعالك أحيانًا، مثل الانفجار في الغضب بشكل مفاجئ؟
6. الشعور بالخدر العاطفي أو فقدان الشغف
• هل تشعر أنك لا تستطيع الفرح حتى عند حدوث شيء إيجابي في حياتك؟
• هل تجد صعوبة في الشعور بالحماس أو الحزن حتى في المواقف التي تستدعي ذلك؟
• هل تشعر بأنك منفصل عن مشاعرك وكأنها غير موجودة؟
إذا كنت تلاحظ بعض هذه العلامات في نفسك، فقد يكون لديك ميل لقمع مشاعرك. التعرف على هذه الأنماط هو الخطوة الأولى نحو التحرر العاطفي والتعامل مع مشاعرك بطريقة صحية
رابعا: كيف تحرر المشاعر المكبوتة و تحمي نفسك من تأثير قمع المشاعر؟
الوقاية من التأثيرات السلبية لقمع المشاعر تبدأ بزيادة الوعي بالمشاعر والعمل على التعبير عنها بطرق صحية. إليك بعض الطرق الفعالة لحماية نفسك:
1. الاعتراف بالمشاعر
• الخطوة الأولى هي الاعتراف بالمشاعر الموجودة وعدم محاولة إخفائها أو تجنبها. إذا كنت تشعر بالغضب أو الحزن أو القلق، بدلاً من إنكار هذه المشاعر، اعترف بها لنفسك. الاعتراف هو الخطوة الأولى نحو الشفاء والتصالح مع النفس.
• تمرين عملي: خصص وقتًا كل يوم للجلوس في مكان هادئ وركز على مشاعرك الحالية. اكتب عن المشاعر التي تعيشها بشكل صادق ومحايد(لا تحاول تقييمها).
2. التعبير عن المشاعر بشكل صحي
• التعبير عن المشاعر بشكل غير مؤذٍ، مثل الكتابة، التحدث إلى شخص موثوق به، أو ممارسة الأنشطة الفنية مثل الرسم أو العزف على آلة موسيقية، يساعد في إخراج المشاعر المكبوتة.
• تمرين عملي: حاول كتابة رسالة تعبر فيها عن مشاعرك لشخص معين أو حتى لنفسك، ولكن دون أن تضغط على نفسك بوجود حل للمشاعر. الفكرة هي التعبير عنها فقط.
3. التنفس العميق والتأمل
• يمكن أن تساعد تقنيات التنفس العميق والاسترخاء في تهدئة الجسم والعقل، مما يساهم في تقليل تأثير كبت المشاعر. التأمل أيضًا يساعد على زيادة الوعي الذاتي وفهم المشاعر بشكل أعمق.
• تمرين عملي: قم بممارسة التنفس العميق (الشهيق لمدة 4 ثوانٍ، الاحتفاظ بالنفس لمدة 4 ثوانٍ، ثم الزفير لمدة 4 ثوانٍ). مارس ذلك يوميًا لمدة 5-10 دقائق.
4. التحرر الجسدي من التوتر (الرياضة والحركة)
• ممارسة الرياضة تعتبر وسيلة فعالة للتخفيف من التوتر العاطفي والجسدي. الرياضة تساعد في إفراز هرمونات السعادة (الإندورفين)، وتسمح للجسم بتفريغ التوتر المرتبط بكبت المشاعر.
• تمرين عملي: حاول ممارسة الرياضة بانتظام مثل المشي أو اليوغا أو حتى التمارين البسيطة في المنزل. قم بذلك لمدة 30 دقيقة على الأقل 3-4 مرات في الأسبوع.
5. التحدث مع مختص نفسي (العلاج النفسي)
• في بعض الأحيان، قد يكون من الضروري طلب المساعدة من مختص نفسي، مثل المعالج السلوكي المعرفي أو مستشار. يمكن للمختص مساعدتك في تعلم كيفية التعامل مع المشاعر بشكل صحي وفعّال.
• إذا كنت تشعر أن المشاعر التي تكبتها تؤثر بشكل كبير على حياتك اليومية، قد يكون من المفيد تحديد موعد مع معالج نفسي متخصص في التعامل مع القلق أو الاكتئاب.
6. إعادة تشكيل التفكير السلبي
• تساعد تقنيات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) على تحدي الأفكار السلبية التي قد تؤدي إلى كبت المشاعر. عن طريق تعلم كيفية تحديد هذه الأفكار وتعديلها، يمكنك تخفيف مشاعر الكبت.
• تمرين عملي: عندما تشعر بمشاعر سلبية أو أفكار محبطة، حاول أن تحدد الفكرة السلبية المرتبطة بها. ثم اكتب أفكارًا أكثر واقعية وإيجابية.
7. الرعاية الذاتية
• لا تقلل من أهمية الراحة والوقت لنفسك. تأكد من أنك تخصص وقتًا للأنشطة التي تحبها، مثل القراءة، أو الخروج مع الأصدقاء، أو مجرد الاسترخاء.
• تمرين عملي: حاول أن تدرج في جدولك اليومي أوقاتًا للراحة والأنشطة التي تستمتع بها، حتى لو كانت بسيطة.
8. التفاعل الاجتماعي العميق
• المفهوم: العلاقات الاجتماعية مهمة في معالجة كبت المشاعر. التفاعل مع الأشخاص الذين يتيحون لك التعبير عن نفسك بحرية يمكن أن يساعد في معالجة مشاعر الكبت.
• تمرين عملي: حاول الانخراط في محادثات عميقة وصادقة مع أصدقائك أو أفراد عائلتك، واطلب منهم أن يكونوا مستمعين جيدين دون الحكم عليك.
9. التمرين على اليقظة والوعي الذاتي العاطفي
• الوعي العاطفي هو القدرة على التعرف على المشاعر في الوقت الحالي ومعرفة كيفية التعامل معها بشكل أفضل. تعزيز الوعي الذاتي يمكن أن يقلل من ميل الشخص لكبت مشاعره.
• تمرين عملي: عندما تشعر بأي نوع من المشاعر السلبية، حاول أن تتوقف لحظة وتلاحظ ما يحدث في جسدك وعقلك. حاول تسميتها بدقة (هل هي غاضب، حزين، قلق؟) ثم استكشف سببها.
10. العمل على تغيير المعتقدات الداخلية
• قد يكون كبت المشاعر مرتبطًا بمعتقدات داخلية مثل “لا يجب عليَّ أن أظهر ضعفي” أو “التعبير عن مشاعري هو علامة على الضعف”. علاج هذه المعتقدات يمكن أن يساهم في تقليل كبت المشاعر.
• تمرين عملي: قم بتحديد المعتقدات الداخلية التي قد تكون مرتبطة بكبت مشاعرك. ثم اعمل على تغييرها من خلال تأكيدات جديدة وأكثر صحة مثل “من الطبيعي أن أكون عاطفيًا” أو “التعبير عن مشاعري يساعدني في النمو”.
قمع المشاعر ليس مجرد سلوك نفسي، بل هو عامل مؤثر على صحة الجسد والعقل معًا. عبر التعبير عن المشاعر بطرق صحية، وممارسة الوعي الذاتي، واتباع تقنيات الاسترخاء، يمكن الحد من الآثار السلبية لقمع المشاعر وتعزيز التوازن النفسي والجسدي. تذكر أن الاعتراف بمشاعرك والتعامل معها بوعي ليس علامة ضعف، بل هو خطوة مهمة نحو حياة صحية وأكثر اتزانًا.
اتمنى ان يكون المقال مفيدا لك
د.أمان
Comentarios