هل تشعر باستمرار انك مسؤول عن مشاعر الاشخاص المقربين بك ويجب عليك انقاذهم واصلاح مشاكلهم؟ هل تجعل مشاعر الاخرين اولوية دائما بحياتك حتى لو على حساب مشاعرك؟
في هذا المقال ساشرح لك اهم الاسباب وراء شعورك بالمسؤولية تجاه مشاعر الاخرين وكيف يمكنك التعامل معه بطريقة صحية ودون استنزاف صحتك النفسية.
الاسباب والتحليل النفسي :
الشعور العميق بالمسؤولية تجاه إسعاد الآخرين قد يكون ناتجًا عن عوامل نفسية وجذور عميقة تمتد إلى مراحل الطفولة، التربية، التجارب الحياتية، والتصورات الذاتية عن قيمتك ومعنى وجودك. لفهم ذلك بشكل أعمق، يمكننا تحليل الأمر من عدة زوايا:
1. البرمجة النفسية والتربية المبكرة
إذا نشأت في بيئة كان فيها حصولك على المحبة والتقدير مرتبطين بمدى رضا الآخرين عنك، فقد تتكون لديك قناعة داخلية بأن قيمتك الشخصية تعتمد على مدى إسعادك لمن حولك . مثلاً، إذا كنت تتلقى الاهتمام عندما تكون “الطفل الطيب” الذي يراعي الجميع، فقد يصبح هذا النمط جزءًا من هويتك النفسية. وفي حالات اخرى عندما لا تفعل ما يتوقعه الاخرون منك ، فقد تعامل بالقسوة وتربط ان مشاعر الاخرين السيئة حدثت بسببك وانك المسؤول الاول عنها .
بعض الاعتقادات التي قد تكون قد ترسخت في عقلك منذ الصغر دون وعي:
• “إذا لم أُسعِد الآخرين، فلن يحبوني.”
• “أنا مسؤولعن مشاعر من حولي، وإذا كانوا حزينين، فهذا يعني أنني قصرتُ في حقهم.”
• “تجاهل احتياجاتي الشخصية أمر ضروري للحفاظ على العلاقات.”
2. الخوف من الرفض والشعور بالذنب
غالبًا ما يكون هذا الشعوربالمسؤولية تجاه مشاعر الاخرين مدفوعًا بخوف عميق من الرفض أو التخلي. قد تشعر أنك إذا لم تقدم تضحيات من أجل الآخرين، فسيبتعدون عنك أو سينظرون إليكِ على أنكِ شخص أناني. هذه الفكرة قد تنبع من تجارب سابقة تعلمتِ منها أن العلاقات تتطلب تقديم الذات كليًا لضمان استمراريتها. كما أن الشعور بالذنب يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز هذا السلوك، حيث قد يتسلل إليك الإحساس بأنك مسؤول عن مزاج الآخرين، حتى لو كان ذلك أمرًا خارجًا عن إرادتك.
3. اضطراب الحدود النفسية بين الذات والآخرين
إذا كنت تجد صعوبة في وضع حدود صحية بينك وبين الآخرين، فقد تشعر بأن مشاعرهم وأحوالهم مسؤوليتك بالكامل. قد يحدث لديك اندماج نفسي مع الآخرين بحيث يصبح من الصعب التفريق بين مسؤوليتك الخاصة ومسؤولياتهم هم.
على سبيل المثال، إذا رأيتِ شخصًا قريبًا منك حزينًا، فقد تشعر أن من واجبكِ رفع معنوياته، حتى لو كان ذلك مرهقًا لك أو غير ممكن فعليًا.
4. الهوية القائمة على العطاء
بعض الأشخاص يجدون هويتهم ومعنى حياتهم في العطاء المستمر للآخرين. قد يكون هذا العطاء نابعًا من طيبة القلب وحب الخير، لكنه قد يتحول إلى عبء إذا أصبح وسيلة لإثبات الذات أو الشعور بالقيمة الشخصية.
إذا كنت تشعرأن قيمتك تكمن فقط في مدى خدمتك للآخرين، فقد تعاني من فقدان الاتصال بذاتك الحقيقية ورغباتك الشخصية، مما يجعلك تفقد الشعور بالراحة أو الاستمتاع بالحياة بعيدًا عن مسؤولياتك تجاه الآخرين.
5. متلازمة المنقذ (The Savior Complex)
بعض الأشخاص يطورون ما يُعرف بـ “متلازمة المنقذ”، وهي رغبة لا شعورية في إصلاح حياة الآخرين وجعلها أفضل، حتى لو لم يُطلب منهم ذلك. في هذه الحالة، قد يكون لديك اعتقاد داخلي بأن دورك في الحياة هو تخفيف معاناة الآخرين، مما يجعلك تحمل أكثر مما يمكنك تحمله.
كيف يمكن التعامل مع هذا الشعور بطريقة صحية ؟
اليك اهم الخطوات التي ستساعدك على حل المشكلة :
1. إعادة تقييم المعتقدات الداخلية:
اعطي وقت لنفسك للتعمق بمعتقداتك الداخلية وكن واعيا بها وبتاثيرها على حياتك . هذا الامر يتطلب مراقبة الافكار التي تدور في ذهنك بشكل مستمر ومحاولة تحليلها وصولا الى الافكار والمعتقدات العميقة والخفية صاحبة التاثير الاكبر على تصرفاتك وحياتك. يمكنك ايضا استخدام الكتابة الموجهة كاداة لمساعتدك على اكتشاف المعتقدات وتقييمها.
.
اسألي نفسك بصدق، لماذا أعتقد أنني مسؤول عن سعادة الآخرين؟ هل هذا اعتقاد صحيح أم مجرد نمط مكتسب؟ ما الذي ممرت به بحياتي وادى الى تكوين هذا الاعتقاد؟
2. التمييز بين العطاء الصحي والعطاء المفرط:
العطاء وتقديم الحب والاهتمام امر جميل جدا ويعزز مشاعر الرضى والطمأنينة الداخلية ويساعد على الحصول على علاقات قوية وداعمة. لكن النقطة الاهم هي التمييز بين: متى يكون العطاء صحية ومتى يكون ضارا ومفرطا ؟!
العطاء الصحي هو الذي يحدث بتوازن، حيث يعطي الشخص من وقته ،عاطفته وجهده وممتلكاته بشكل معتدل دون أن يؤثر ذلك على صحته النفسية او الجسدية. ويكون مدفوعًا بالمحبة والإرادة الحرة، ولا يؤدي إلى تهميش الذات. في المقابل، العطاء غير الصحي والمفرط يحدث عندما يعطي الشخص بشكل مفرط على حساب احتياجاته الشخصية، مما يؤدي إلى استنزاف طاقته، وقد يسبب الإرهاق، والتوتر، والشعور بالإهمال. العطاء المفرط قد يكون أيضًا بدافع توقع المقابل أو التقدير، مما يجعله عبئًا بدلاً من أن يكون مصدرًا للراحة النفسية.
2. تعلم وضع الحدود:
قد تكون تجارب حياتك علمتك ان تكون شخصا يقدم للاخرين دائما بلا اي حدود، لكن ذلك لا يعني انك لا تستطيع وضعها الان. في بداية الامر قد يكون الامر صعبا لانك ستخرج من منطقة راحتك وقد يقابل بالرفض من الاخرين ، لكن تذكر ان الحدود هي فرض لاحترامك وتعبير عن مدى تقديرك لذاتك مما سيجبر الاخرين على احترامك ايضا وسيحميك من الاشخاص الاستغلاليين .
يوجد مقال كامل يشرح موضوعوضع الحدود يمكنك قرائته بعد الانتهاء من هذا المقال . فقط ادخل كلمة حدود بزر البحث .
3. التخلي عن دور المنقذ والشعور بالذنب :
لا باس بان يشعر الاخرين بمشاعر سلبية ، بان تكون الامور معهم ليست على ما يرام ، بان يمرو بتحديات وظروف صعبة بحياتهم ، وليس عليك ان تكون المصلح او المنقذ لمشاعرهم وحياتهم . اتعلم لماذا؟ لان هذه التحديات ضرورية لنموهم وتطورهم ، لتغير مفهومهم عن الحياة ، لاخذ قرارات افضل ، لاصلاح بعض الاخطاء بسلوكهم وتصرفاتهم ، واذا حاولت انقاذهم وتحمل المسؤولية كاملا ، فانت بذلك تضرهم وتمنعهم من تطوير وتحسين انفسهم ، الامر الذي هم بالتاكيد بحاجة له . لذلك في المرة القادمة التي ترى بها شخص يمر بموقف صعب او مشاعر سلبية ، قدم له الدعم بطريقة متزنة ودون الشعور بالذنب او تحمل كامل مسؤولية الموقف وعيشه بطريقة مبالغة .
الشعور بالمسؤولية عن سعادة الآخرين هو أمر نابع من طيبة القلب، لكنه قد يتحول إلى عبء إذا لم يتم التعامل معه بوعي. من المهم أن تدرك أن مسؤوليتك الحقيقية هي إسعاد نفسك أولًا والعمل على تحسينها وتطويرها، لأن الشخص الذي يشعر بالراحة النفسية يكون أكثر قدرة على دعم الآخرين بشكل صحي ومتوازن.
اتمنى ان يكون هذا المقال مفيدا لك ❤️
د. أمان
Comments